يشهد العالم في الوقت الحاضر تطوراً متسارعاً وتطبيقاً متزايداً لأنظمة الذكاء الصناعي (AI) في مختلف المجالات، حيث لا
يقتصر استخدام تقنيات الذكاء الصناعي في مجال التصنيع أو تقديم الخدمات بل يتجاوز ذلك إلى تحسين وتطوير التعليم
كأسلوب وأدوات، حيث يعد التعليم أحد أهم المجالات التي تشهد استخداماً متزايداً لتطبيقات الذكاء الصناعي وتمتلك
كذلك آفاق واسعة لتطوير هذا الاستخدام في المستقبل. ويتجسد دور الذكاء الصناعي في التعليم في هدفين، الأول في
جعل الناس أكثر موائمة كعاملين ومواطنين مسؤولين في عالم تشكله أنظمة الذكاء الاصطناعي. أما الهدف الثاني فيتركز
على توفير الذكاء الاصطناعي إمكانات كبيرة لتحسين وتطوير التعليم والتدريب بشكل دائم.
في علم الحاسبات يشير مصطلح الذكاء الاصطناعي (AI) إلى أي ذكاء شبيه بالإنسان يتم عرضه بواسطة الكمبيوتر أو
الروبوت أو أي جهاز آخر. وتعريف الذكاء الاصطناعي الشائع يشير إلى قدرة الحاسوب أو الآلات على محاكاة قدرات العقل
البشري والتعلم من الأمثلة والتجارب والتعرف على الأشياء وتعلم اللغة والاستجابة لها واتخاذ القرارات وحل المشكلات
والجمع بين هذه القدرات وغيرها. ويفترض بهذه القدرات أن تؤهل الحاسوب أو أي جهاز آلي لتأدية وظائف يقوم بها
الإنسان مثل استقبال نزيل في فندق أو قيادة السيارة. وبعبارة أخرى الذكاء الاصطناعي هو مزيج من العديد من التقنيات
المختلفة التي تمكن الآلات من الفهم والتصرف والتعلم بذكاء يشبه الإنسان.
الاستثمار في الذكاء الصناعي
تتجه العديد من دول العالم بالإضافة الى الكثير من الشركات العالمية العاملة في مختلف القطاعات الاقتصادية إلى
الاستثمار بكثافة في مجال الذكاء الصناعي وتطوير تقنياته، خصوصاً بعد أن ثبتت فعالية تطبيقات الذكاء الصناعي خلال
جائحة كورونا والتي عززت أيضاً القناعة بالحاجة إلى المزيد من تطوير هذه التقنيات والتوسع في استخداماتها، وعلى هذا
الأساس، ووفقاً لمؤشر الذكاء الاصطناعي العالمي الذي نشرته مؤسسة (Tortoise Intelligence)، فقد ارتفع إجمالي
الاستثمار في تقنيات الذكاء الاصطناعي في العام 2021م إلى مستوى قياسي بلغ 77.5 مليار دولار ، مقارنة بـ36 مليار
دولار عام 2020م.
الذكاء الصناعي ومستقبل التعليم
والدروس التي يجب إعادة تقييمها ويسمح هذا التحليل بوضع أفضل برنامج تعليمي للطلاب. كما يمكن للمدرسين
والأساتذة من خلال تحليل الاحتياجات المحددة لكل طالب تعديل دوراتهم لمعالجة الفجوات المعرفية الأكثر شيوعاً أو
مجالات التحدي قبل أن يتخلف الطالب كثيراً عن زملائه.
شروط عمل الذكاء الصناعي في مجال التعليم
لا يمكن أن يؤدي الذكاء الصناعي وظيفته في مجال التعليم بدون توافر البنية التحتية اللازمة لذلك، وتتضمن هذه البنية
الأساسية سرعة انترنت عالية ومتوفرة وتغطية شاملة ذات تكلفة معقولة. وإذا ما كانت هذه الشروط متوفرة في العديد
من دول العالم خصوصاً ذات الإمكانيات الاقتصادية الكبيرة فإن الكثير من دول العالم، خصوصاً النامية منها لا تزال
بعيدة عن تحقيق هذه الشروط. كذلك يعتمد نجاح وفعالية استخدام الذكاء الصناعي في التعليم على مدى توافر المعدات
الرقمية وتدريب الموظفين الفنيين المختصين، يضاف إلى ذلك ضرورة تأمين وحماية البيانات الضخمة التي يتم التعامل
معها.
الاستفادة من استخدام الذكاء الصناعي في المجالات التخصصية
ربما يبدو تعميم الذكاء الصناعي في التعليم العام الجامعي أو مرحلة ما قبل الجامعي في حاجة لمزيد من الوقت ومزيد من
توافر الإمكانات والخبرات، لكن ذلك لا يمنع الاستفادة من تقنيات الذكاء الصناعي في التعليم والتدريب التخصصي،
وخصوصاً من ناحية توفر ميزة عدم الارتباط بمكان وزمان محددين، وبالتالي يصبح نقل المعرفة والخبرة أكثر سهولة
وفعالية والوصول إلى تعليم عالي الجودة دون تكبد نفقات السفر والمعيشة. فعلى سبيل المثال يمكن توفير تدريب خاص
في مجال الصحة من ألمانيا إلى الدول العربية ليس فقط بواسطة المحاضرات و إلقاء الدراسات النظرية عن بعد، ولكن
أيضاً عبر نقل مباشر لإجراء عمليات معينة دقيقة يستطيع المختصون في العالم العربي متابعتها مباشرةً والتعلم من خلال
الشرح أو الاستفسارات التي يتم طرحها، كذلك التدريب على استخدام التقنيات الطبية والأجهزة الطبية الحديثة. وتساهم
تقنيات الذكاء الصناعي بالإضافة الى النقل وتوفير المواد والمناهج التعليمية في الإجابة على الاستفسارات وتقليل وقت
البحث عن الأجوبة وكذلك متابعة الدارسين وتقييمهم وتلبية احتياجاتهم الخاصة.
إلى جانب الاستفادة من الذكاء الصناعي في مجالات الطب والعلوم الصحية تظهر أيضاً إمكانيات كبيرة في استخدام
تقنيات الذكاء الصناعي في الرياضيات واللغات. فعلى سبيل المثال تستخدم أنظمة التدريس الذكيّ عدداً من تقنيات التعلّم
الآلي وخوارزميات التعلّم الذاتي التي تجمع مجموعات البيانات الكبيرة وتحلّلها، ويسمح هذا الجمع للأنظمة أن تقرّر نوع
المحتوى الذي ينبغي تسليمه للمتعلّم بحسب قدراته واحتياجاته. ومثال على ذلك منصّة نظام (iTalk2Learn) التي
تعلّم الكسور، وتستخدم نموذج المتعلّم الذي يخزّن البيانات حول المعرفة الرياضية عند الطالب واحتياجاته المعرفية
وحالته العاطفية وردود الفعل التي تلقاها واستجابته على هذه التغذية المرتدّة.
أما منصة Brainly هي مثال على شبكة تواصل اجتماعي تعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي الخاص بأسئلة الفصل
الدراسي، إذ يستخدم الذكاء الاصطناعي فيها خوارزميات التعلم الآلي ويتيح للمستخدمين طرح أسئلة حول الواجب
المنزلي والحصول على إجابات تلقائية، تم التحقق منها. ويساعد الموقع الطلاب على التعاون فيما بينهم للتوصل إلى
إجابات صحيحة من تلقاء أنفسهم.
عيوب عمل الذكاء الصناعي في مجال التعليم
يلغي استخدام الذكاء الاصطناعي الحاجة إلى التدريس وجهاً لوجه، حيث يمكن للمتعلمين اكتساب المعرفة بشكل مستقل
عن الزمان والمكان. نتيجة هذا التعلم المستقل هي أن يكتسب التلاميذ المعرفة من المنزل وبالتالي يتم فقد الاتصالات
الشخصية والمدرسية، وهو ما يؤدي إلى إهمال الاتصالات الاجتماعية والعزلة وبالتالي غياب الشعور الجمعي والتضامن في
أوساط المجتمع على المدى البعيد. إن من المهام الأساسية للمعلمين دعم الطلاب وتعزيز التنمية الشخصية لهم، بالإضافة
الى نقل الخبرات وتقديم الإرشاد الإجتماعي إلى جانب الإرشاد العلمي، لهذا فإن المعلم سواءً كان في مدرسة أو جامعة
أو مركز تدريب ليس مجرد وسيط لنقل المعرفة وحسب ولكنه أيضاً عنصر أساسي في تطوير الشخصية ونقل القيم
الإجتماعية.
لهذا ولمعالجة هذه الإشكالية فهنالك مقترحات لاعتماد النموذج المختلط في التعليم الذي يعتمد على الذكاء الصناعي في
دعم المتعلمين وتوسيع خياراتهم إلى جانب المعلمين الذين يقومون بدورهم التقليدي في توجيه وإرشاد المتعلمين وإبقاء
الروابط والاتصال الإجتماعي بينهم قائماً. وبشكل عام يفترض الخبراء أن الذكاء الصناعي سيغير كثيراً في مهنة التدريس،
لكن المهنة نفسها لا يمكن استبدالها أبداً، حيث سيقدم الذكاء الاصطناعي مساهمة مهمة في المؤسسات التعليمية في
المستقبل، ولكن لا يمكن أن يأخذ بالكامل دور المعلم أو أن يحل محله.