بدأ عملاق منصات التواصل الاجتماعي الفيسبوك كموقع ويب تحت مسمى فيس ماش (Facemash)، والذي تم إنشاؤه من قِبل رجل
الأعمال الشهير مارك زوكربيرج في العام 2003.
وكان هذا الأمر في السنة الثانية في جامعة هارفارد وكان مارك يستخدم كل مهاراته فيما يخص الحاسوب لاختراق شبكة أمان الجامعة
ونسخ صور هوية الطلاب ليقوم باستخدامها في موقعه الإلكتروني.
ولكن بعد عدة أيام تم إغلاقه من قِبل التنفيذيين في الجامعة، وواجه زوكربيرج تُهماً خطيرة بانتهاك الأمن، وانتهاك حقوق الطبع والنشر،
وانتهاك الخصوصية الفرديّة.
ورغم تعرضه للطرد من جامعة هارفارد بسبب أفعاله إلا أن جميع التُهم تم إسقاطها في نهاية المطاف بحقه.
تطور الشركة ونموها السريع
بدأ الفيسبوك كمنصة مفتوحة للتواصل من قبل جميع الأشخاص بشكل مجاني في عام 2006 حيث أصبح أيّ شخص يزيد عمره عن 13
عاماً، ويمتلك عنوان بريد إلكتروني صالح، قادراً على إنشاء حساب على الفيسبوك، وقد بلغ عدد مستخدمي الموقع 12 مليون مستخدم
في العام نفسه ، ومع مرور الوقت تزايد العدد ليصبح 300 مليون مستخدم في عام 2009م بعشر مليون مستخدم نشط يوميّاً.
أدرجت الشركة أسهمها للاكتتاب العام في شهر شباط 2012 لتُصبح شركة عامّة،وبلغت قيمة الشركة السوقيّة 102.4 مليار دولار،
وقُدِّرت أرباح زوكربيرج في نهاية اليوم الأول من تداول الأسهم بأكثر من 19 مليار دولار، وجاوز فيسبوك مليار مستخدم شهرياً في
نفس العام
الإستحواذ على إنستغرام وواتساب
أعلنت شركة فيسبوك في نهاية العام 2012 أنها قامت بصفقة لشراء تطبيق إنستغرام مقابل مليار دولار أمريكي، حيث لم يكن الفيسبوك
في ذاك الوقت قد تجاوز عمره السنتين، ولكنه كان قد جمع بالفعل أكثر من 30 مليون مستخدم.
أدرك فيسبوك أن إنستغرام هو وجهة المستهلكين الشباب واقتنص الفرصة قبل أن ينتبه لها الآخرون.
واعتبر البعض أن حيازة فيسبوك لإنستغرام واحدة من الأسباب الرئيسية التي جعلت فيسبوك يقفز من 58 مليار دولار أمريكي عام
2012، إلى شركة تبلغ قيمتها 500 مليار دولار أمريكي في عام 2017.
وبعدها أعلنت شركة فيسبوك أنها ستقوم بحيازة تطبيق الواتساب الشهير بمبلغ 19 مليار دولار أمريكي.
ولكن في هذا الوقت لم يكن الواتساب في نفس مستوى الشهرة التي نعرفه بها اليوم ، ولكنه كان أكثر تطبيق لتبادل الرسائل شعبية في
أكثر من نصف العالم.
الإنتقال إلى مجال العالم الإفتراضي
حازت الفايسبوك في عام 2014 على شركة الواقع الافتراضي أوكولوس، وكان ذلك بمثابة مؤشر على عزم فيسبوك الدمج بين الواقع
الافتراضي ووسائط التواصل الاجتماعي معاً.
وأطلقت شركة فيسبوك تجربة جديدة أو ما سمي بـ”فضاءات فيسبوك” سنة 2017، مما مكن الزوار من التفاعل مع الأصدقاء داخل
غرفة افتراضية للدردشة، باستخدام نظارات الواقع الافتراضي.
وعلى الرغم من ان مؤسس الشركة مارك زوكربيرغ يرى أن مستقبل فيسبوك يتجلى في الواقع الافتراضي، إلا أنه قد مورست
ضغوطات على الشركة، معظمها بسبب الشعبية المتزايدة لسناب شات، لاتباع الواقع المدمج أو المعزز.
أطلق فيسبوك في نيسان سنة 2017 منصة لكاميرا الواقع المدمج، وهي وظيفة تسمح للمستخدمين بالتقاط صورة وإضافة تفاصيل أكثر
لها.
من فايسبوك إلى ميتا !!
مع النجاح الهائل الذي حققه فيسبوك، بنى مارك زوكربيرغ شبكة اجتماعية وإمبراطورية تكنولوجية لا تزال غير مسبوقة من حيث عدد
المستخدمين والنفوذ المترتب على ذلك.
وبشكل خاص قد لمع نجم الشركة بعد استحواذها على الشركات الصاعدة ووضعهم جميعاً تحت مظلة شركة واحدة وتحويل إسمها إلى
ميتا في عام 2021.
التحول إلى “ميتا بلاتفورمز” يحمل معه تأثيرات مستقبلية كبيرة. يتوقع أن تلعب الشركة دوراً مهماً في تشكيل مستقبل التكنولوجيا
والتفاعل الرقمي. ستساهم هذه النقلة في الدفع بحدود الابتكار والتطور في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي، تكنولوجيا الواقع الافتراضي
والمعزز، وتطوير منصات تفاعلية جديدة.
من المتوقع أن يكون لهذا التغيير تأثير كبير على الطريقة التي يتفاعل بها الأفراد والمؤسسات في الفضاء الرقمي، مما يفتح آفاقاً جديدة
للعمل، التعليم، الترفيه والتواصل الاجتماعي.
وتقول ميتا الآن إن أكثر من 3 مليارات شخص يستخدمون واحداً على الأقل من منتجاتها يومياً.
وعندما فشلت ميتا في شراء منافسيها، كثيراً ما اتهمت بتقليدهم من أجل الحفاظ على هيمنتها.
وتشبه ميزة القصص المختفية في فيسبوك وإنستغرام ميزة رئيسية موجودة في سناب شات، كما يُعد إنستغرام ريلز رد الشركة على
التحدي الذي يمثله تطبيق مشاركة مقاطع الفيديو تيك توك، وتعتبر ثريدز محاولة ميتا لتقليد منصة إكس، المعروفة سابقاً باسم تويتر.
لقد أصبحت التكتيكات أكثر أهمية من أي وقت مضى، وذلك بفضل المنافسة المتزايدة والبيئة التنظيمية الأكثر صرامة.
وفي عام 2022، اضطرت ميتا إلى بيع جيفي، صانع صور جيف، بخسارة بعد أن منعها المنظمون في المملكة المتحدة من امتلاك
الخدمة بسبب المخاوف من الهيمنة المفرطة على السوق.
ميتا مابين الإعلانات والإيرادات
في أيامنا هذه، أصبحت شركة ميتا، الشركة الأم لفيسبوك، بمثابة شركة إعلان عملاقة تحصل، جنباً إلى جنب مع أمثال غوغل، على
نصيب من أموال الإعلانات العالمية.
نموذج الإعلانات في الشركة يعتبر واحداً من أكثر نماذج الإيرادات فعالية في السوق الرقمي.
تطوير هذا النموذج يتضمن استخدام بيانات المستخدمين لاستهداف الإعلانات بشكل دقيق وفعال.
استخدمت فيسبوك التحليلات المتقدمة والذكاء الاصطناعي لفهم اهتمامات وسلوكيات مستخدميها، مما يسمح للمعلنين بالوصول إلى
جمهورهم المستهدف بدقة عالية.
تشمل هذه التحسينات تقديم أنواع مختلفة من الإعلانات، مثل الإعلانات المصورة، الفيديو، والإعلانات التفاعلية، وكذلك تطوير أدوات
تقييم فعالية الإعلانات لتحسين الحملات الإعلانية باستمرار.
وأعلنت شركة ميتا عن إيرادات تقارب 34 مليار دولار في الربع الثالث من عام 2023، معظمها عائدات تقديم خدمات إعلانية شديدة
الاستهداف، وبلغت ارباحها 11.5 مليار دولار خلال تلك الفترة لكن فيسبوك أظهر أيضاً أين يمكن أن تفشل عملية جمع البيانات.
وفي عام 2022، دفع فيسبوك غرامة قدرها 265 مليون يورو فرضها الاتحاد الأوروبي بسبب سماحها باستخراج البيانات الشخصية من
الموقع.
وفي العام الماضي، فرضت لجنة حماية البيانات الإيرلندية غرامة قياسية على الشركة بلغت 1.2 مليار يورو، بسبب نقل بيانات
المستخدمين الأوروبيين خارج نطاق الولاية القضائية، ويستأنف فيسبوك حالياً الحكم ضد الغرامة.
الجانب المستدام والبيئي للشركة
في السنوات الأخيرة، أخذت الشركة خطوات مهمة نحو تعزيز المسؤولية البيئية. قامت الشركة بتطبيق مجموعة من المبادرات البيئية
التي تهدف إلى تقليل تأثيرها الكربوني ودعم الاستدامة، من هذه المبادرات استخدام الطاقة المتجددة في تشغيل مراكز بياناتها، وهو ما
يساهم في تقليل البصمة الكربونية للشركة.
بالإضافة إلى ذلك، تعمل على تعزيز الكفاءة في استخدام الموارد في جميع عملياتها، بما في ذلك استخدام المياه بشكل مستدام وإدارة
النفايات بطرق تحترم البيئة.
تشمل الجهود دمج مبادئ الاستدامة في تطوير التكنولوجيا والخدمات، حيث تسعى الشركة إلى تطوير تقنيات تقلل من الآثار السلبية على
البيئة، مثل تحسين كفاءة استخدام الطاقة في تطبيقاتها وخدماتها.
ماذا تخطط الشركة ؟
إن الإنتشار والنجاح والوصول الكبير لشركة ميتا وهيمنتها بشكل كبير هو شهادة على قدرة مارك زوكربيرغ في الحفاظ على أهمية
المنصة.
لكن الحفاظ عليه باعتباره الشبكة الاجتماعية الأكثر شعبية سيكون تحدياً هائلاً على مدى السنوات المقبلة.
وتدفع شركة ميتا الآن بقوة نحو بناء أعمالها حول فكرة الميتافيرس التي أوجدتها ، والتي يمكن القول إنها تتفوق فيها على عمالقة
التكنولوجيا المنافسين مثل آبل.
ويعد الذكاء الاصطناعي أيضاً أولوية كبيرة لشركة ميتا، حيث صرح زوكربيرغ أنه ينوي إلى جعل الميتافيرس الخيار الأول
للمستخدمين بمايوفره من تسهيلات وإمكانيات سواء للعب أو للتواصل أو حتى للقيام بالمهام اليومية، لذلك سيكون من المثير للاهتمام
رؤية ما يخفيه المستقبل على أيدي الشركة.
الخاتمة
يمكننا استخلاص العبرة من القصة العظيمة لتلك الشركة التي بدأت من مشروع جامعي بسيط وكيف تحولت مع مرور الوقت إلى قوة
تكنولوجية عالمية.
شهدت فيسبوك تحولات كبيرة، متغلبة على التحديات ومحققة إنجازات ملفتة في مجالات الإعلان، الخصوصية، والتكنولوجيا.